نظمت جمعية إقلاع للتنمية المتكاملة ARDI، في نهاية الأسبوع، النسخة الأولى ل”لقاء الشهر العماري”، حيث استضافت قصبة بني عمار زرهون صديقها الكبير الشاعر والإعلامي المتميز عبد اللطيف بنيحيى، فبعد عشرين سنة عن حضوره في الدورة الثانية لمهرجان بني عمار زرهون، يقول محمد بلمو في تقديمه لضيف اللقاء،
هاهو يعود إلى القصبة وقد كان من المفروض أن تنظم هذه السنة الدورة 23 للمهرجان، لولا الظلم الذي يتعرض له هذا المهرجان القروي منذ تأسيسه، وحرمانه من حقه المشروع من الدعم العمومي من طرف المجالس المنتخبة، من مجلس الجهة إلى المجلس القروي مرورا بمجلس العمالة والمجلس الإقليمي،
رغم إشعاعه الدولي ورغم حصوله على جائزة دولية وتسجيله تراثا وطنيا لا ماديا. لذلك لم نستطع تنظيم سوى 12دورة اعتمادا على دعم وزارة الثقافة ومسرح محمد الخامس مشكورين، يضيف بلمو، لذلك فاستضافة الشاعر والإعلامي عبد اللطيف بنيحيى الذي يكن محبة كبيرة لقصبة بني عمار ومهرجانها، في إطار التحسيس بقيمة المهرجان والترافع من أجل حقه المشروع في الدعم العمومي مثل عشرات المهرجانات التي تنظم بالبلاد.
استهل الشاعر والإعلامي عبد اللطيف بنيحيى عرضه قائلا: “أحس في هذه الربوة الطيبة المباركة بأني بين خلاني وأهلي، منذ وطئت قدماي هذه التربة الطيبة لأول مرة قبل عشرين سنة بالضبط.” وواصل الضيف الكبير للقصبة حديثه وهو يحكي عن زيارته الأولى لتغطية الدورة الثانية لمهرجان بني عمار في ربيع 2002، وكيف وجد نفسه،
وهو يتلقى اقتراح زملائه في إذاعة طنجة بتغطية الدورة التي يشارك فيها، ممتلئا بغبطة مبهمة من أجل إن يستكشف ويتعرف على هذه الربوة التي يفضل نعتها بالربوة الطيبة المباركة، وهو النعت الذي تأكد له كلما حل ضيفا بدون استئذان على بعض الأسر التي خص منها بيت القلعي العامر وبيت العمراني الفسيح، مؤكدا أن كل العوائل العمارية تتقاسم شريانا واحدا هو المحبة الوثيقة التي تربطها بهذا المرتفع البهي.
واسترجع بنيحيى لحظات جميلة من تغطيته المباشرة للمهرجان قبل عشرين سنة، لمدة ثلاث ساعات متواصلة، خصوصا وقد حضره صديق عزيز يكن له تقديرا خاصا هو المرحوم احمد سهوم الذي يعتبر من المراجع الأساسية الخبيرة بخبايا المتن الملحوني المغربي.
وكان كلما التقى به بعد ذلك إلا وذكره بالتفاصيل المرتبطة بقصبة بني عمار، واخبره بأنه بصدد كتابة نص ملحوني مطول عن مهرجان قصبة بني عمار وأهلها الطيبين، واستطرد قائلا: “أنا متأسف جدا حقيقة عندما نجد بعض المسؤولين المتزمتين الذين أسميهم بالكائنات الإسمنتية، الذين لا يوافقون على ترسيخ هذا التقليد الثقافي المتميز أي مهرجان بني عمار، حيث لازالت عندنا عقلية “الكلب حاشاك” للأسف الشديد، وهي عقلية يجب أن تزول بصفة نهائية، انطلاقا من قناعة راسخة كون الثقافة عامل أساسي من عوامل التنمية المحلية، اعتمادا على الخصوصية الثقافية المحلية، لذلك أنا حزين جدا وأنا أرى الإمكانيات البسيطة التي يتحرك بها الإخوان هنا،
لذلك أقول لهم أنا معهم وعلى هذه العراقيل التي تواجههم أن تتوقف. فرجاء يجب علينا جميعا أن نتآزر من اجل المحافظة على هذه المحطة الثقافية المتميزة. كما أبارك إقدام جمعية إقلاع للتنمية المتكاملة على تنظيم لقاءات شهرية، كما أهنئهم على هذا الفضاء، فليس كل الجمعيات تتوفر على مقر، والذين يشتغلون في المجال الثقافي يعرفون ذلك.
وطبعا هذه اللقاءات الشهرية ستتيح الفرصة لأسماء وازنة في مختلف التخصصات، مع التركيز على كفاءات القصبة والمنطقة من أساتذة جامعيين وباحثين متخصصين استطاعوا الخروج من عقر الفقر والمعاناة وتحقيق طموحاتهم في أن يكونوا أطرا علمية كبيرة.
وتحدث المحاضر عن ظروف السفر من طنجة الى قصبة بني عمار، خصوصا من مدينة مولاي ادريس الى القصبة حيث كانت الطريق بينهما أنذاك في حالة سيئة جدا، بسبب الحفر والغبار المتطاير، لدرجة سأله تقني الإذاعة المرافق بتخوف واستغراب:
“وفين غادين اخويا بنيحيى؟”، لكن ما أن أشرفا على القصبة، والسيارة تتجاوز المنعرجات بين أشجار الزيتون البهية، حتى عادت إليهما الطمئنينة وأحس بنيحيى وكأنه احد أبناء المنطقة. حيث يتذكر أن البرنامج المباشر الذي تم بثه من القصبة كان غنيا جدا، فحتى الوصلات الموسيقية كانت مباشرة من عين المكان،
لكن الذي أبهجه كثيرا، هو إلحاح المستمعين على ضرورة إعطاء أهمية فائقة للنضال الثقافي الذي يحاول بعض الغيورين ترسيخه في الفضاءات القروية، يضيف عبد اللطيف بنيحيى، ومن هنا بدأت عملية إذاعة طنجة في إعطاء الأولوية المطلقة للثقافة في البادية،
وتم التخلص قليلا من هيمنة المركز على الثقافي. بعدما ترسخت عنده أكثر قناعة انه لا يمكن أن نجد سبيلا إلى التنمية إلا عن طريق الثقافة، وهو الشعار الذي تبنته قصبة بني عمار بعمق، وإلا لما كانت مستمرة إلى الآن، من أجل تنظيم الدورة المقبلة لمهرجانها. فمن الواجب أن يستمر تنظيم المهرجان لتبقى القصبة عامرة.
بعد ذلك تحدث عبد اللطيف بنيحيى عن تجربته الإعلامية انطلاقا من الصحافة الورقية، حيث كان طالبا بشعبة العلوم السياسية في موسم 1972/1973، وكان المرحوم عبد الله إبراهيم يدرسه مادة العلاقات الدولية، وهو في نفس الوقت مدير جريدة الاتحاد الوطني للقوات الشعبية،
وبحكم أن بنيحيى نشر بعض قصائده الشعرية بنفس الجريدة، فقد اقترح عليه، أن يشتغل معه في الجريدة، وبما أن والده كان معتقلا، وظروف الأسرة صعبة، فقد وافق على الاشتغال معه. نفس الصدفة جعلته يشتغل في إذاعة طنجة يضيف بنيحيى، فقد صادفت عودته من تجربة في التعليم إلى مسقط رأسه بطنجة عودة الإذاعي خالد مشبال من تجربة له بالتلفزيون المغربي في الرباط،
عبد اللطيف بنيحيى استضافه عبد اللطيف الفؤادي في برنامج أدبي “كتاب لخزينتك” حول ديوانه الشعري الأول “أعاصير الحزن والفرح”، وعندما خرج من الأستوديو وجد خالد مشبال في انتظاره، حيث خطابه قائلا “يا أخي تمتلك صوتا إذاعيا وترتجل لغة جميلة، حبذا لو انضممت إلى فريقنا للإشراف على برنامج ما. في البداية كان يبعث بمراسلات إذاعية من الدار البيضاء عبر الهاتف عبارة عن أخبار ثقافية، هي التي تحولت فيما بعد إلى فقرة “للثقافة أخبار”.
وبعد سنتين من ذلك سيضطر إلى مغادرة الدار البيضاء، والعودة إلى طنجة. حيث كانت أمه لا زالت على قيد الحياة، وابتهج مشبال بعودته وانضمامه إلى طاقم الإذاعة التي عين مديرا لها، وعندما سأله عن البرنامح الذي يقترح الاشتغال عليه. اخبره بنيحيى أنه سيجري حوارات مباشرة مع الفئات الشعبية، حيث حاور “الكسالة” و”الحمالة” و”الأقزام”…
ومن تم تحدث عن تجربة برنامجيه الشهيرين “صباح الخير يا بحر” الذي استمر لربع قرن وشكل نافذة مهمة يطل منها العاملون في الصيد البحري ويعبرون فيها عن مشاكلهم وطموحاتهم، ثم “صور من البادية” الذي كان له الفضل الكبير في التعريف بثقافة وتقاليد وهموم ومطالب الكثيرين من سكان البادية الذين زارهم البرنامج، في وقت كانت وسائل الإعلام لا تعطي أي اعتبار لهم، وهو ما لا يزال للأسف سائدا إلى اليوم.
لقد استمتع الحضور بالطرائف والنوادر التي حدثت للإعلامي بنيحيى خلال حلقات برنامجيه الإذاعيين المتميزين. كما استمتع بإلقائه لأحد نصوصه الشعرية الجميلة التي اختتم بها اللقاء. وكان مسك الختام عرض الشريط الوثائقي “رجال في زمانهم” الذي ينقل صورا حية عن حياة قصبة بني عمار وسكانها قبل ستين سنة من الآن.
المصدر : le Bouclage