يهدف إلى تغيير الصورة النمطية ويضم لوحات ووثائق وكتباً ودواوين وروايات عنه
تتضافر مبادرات لنشطاء مغاربة في محاولة لردّ الاعتبار إلى الحمار، ورفع “الظلم” والتبخيس الذي يحط من قيمته، من تنظيم مهرجان خاص بهذا الحيوان الصبور، مروراً بروايات تتحدث عن سيرته، انتهاء بمتحف يضم وثائق وصوراً ومؤلفات كتبت عن الحمار.
ويوجد في قلب مدينة طنجة (شمال المغرب) متحف خاص بالحمار أنشأه المصور والناشط البيئي عبد الرحيم بن عتابو عام 2019 إكراماً للحمار ودفاعاً عنه، يعرض لوحات ووثائق وكتباً ودواوين وروايات عن ذلك الحيوان.
الحمير تتناقص
ويؤدي الحمار دوراً مهماً، خصوصاً في القرى والبوادي، حيث يستخدمه القرويون في أشغالهم اليومية وتنقلاتهم الاعتيادية، ويعتمد عليه الفلاحون في أعمالهم الزراعية، على الرغم من تناقص هذا الاعتماد على الحمار، جراء دخول الآلات على الخط وتأديتها مهمات كان يقوم بها الحمار.
وفي الوقت الذي لا توجد أرقام رسمية حديثة بشأن أعداد الحمير في المغرب، تشير تقارير إلى أن عددها يناهز 960 ألف حمار، وأن العدد يتناقص تدريجاً بسبب إقبال بعض البلدان، بخاصة الصين، على جلود هذه الحيوانات الأليفة.
ووفق معطيات غير رسمية أخرى، قلّ عدد رؤوس الحمير في المغرب بأكثر من 23 ألف حمار في الأعوام الخمسة الأخيرة، بسبب تراجع اعتماد القرويين عليه في أعمالهم، فضلاً عن مسألة “التصدير” إلى الخارج، خصوصاً فرنسا وإسبانيا والصين.
وتشير تقارير إلى أن انخفاض عدد الحمير في المغرب مرده أيضاً إلى قلة الأعلاف ورداءتها، كما أن ثلاثة أرباع الحمير تعيش في المناطق البورية (أي الأراضي الموجودة في منطقة زراعية جافة غير مسقية تعتمد كلياً على هطول الأمطار)، والربع الأخير موجود في المناطق المرويّة، باعتبار أهمية هذا الكائن في العملية الزراعية.
كتب ولوحات وروايات
يضم متحف الحمار في مدينة طنجة جانباً يشمل كتباً عبارة عن روايات وقصص ودواوين محورها الحمار، وجانباً آخر يحتوي على عشرات اللوحات الفنية والتشكيلية التي يتلقاها المتحف من فنانين مغاربة وأجانب، ثم جانباً ثالثاً يعرض وثائق وقصاصات إخبارية عن الحمار.
ومن الكتب التي يضمها متحف الحمار، رواية “حمار الحكيم” للكاتب توفيق الحكيم، وكتاب عبارة عن نص مسرحي بعنوان “حمار رغم أنفه” من تأليف الشاعر والإعلامي محمد بلمو والمسرحي والسيناريست عبد الإله بنهدار، مع لوحة غلاف لرسام الكاريكاتير الفنان العربي الصبان.
ومن الكتب الأخرى، التي تؤثث متحف الحمار بطنجة، رواية “سيرة حمار” للمؤرخ والمفكر المغربي حسن أوريد، وقصص أطفال مغربية وأجنبية تتحدث عن الحمار، ورواية “أنا وحماري” لخوان رامون خيمينيث.
وفي المتحف أيضاً محاولة لإعادة نشر أخبار وحوادث أوردتها الصحافة بطلها الحمار، من قبيل حادثة مهاجمة حمار مسعور لمواطنين وعضهم في مدينة الدار البيضاء، وصور فوتوغرافية تظهر بطولة الحمار وصبره في حمل الأثقال التي لا يستطيع الإنسان حملها.
قصة بداية المتحف
مؤسس وصاحب متحف الحمار عبد الرحيم بن عتابو، وهو ناشط بيئي ومصور، قال إن المتحف بدأ بفكرة محاولة إعادة الاعتبار إلى الحمار، باعتباره حيواناً أليفاً وصبوراً ويعيش مع الإنسان، كما أنه معرض للانقراض مع مرور الأعوام.
وأضاف بن عتابو في تصريحات لـ”اندبندنت عربية”، أن الفكرة الأولى كانت حول إحداث فضاء يجتمع فيه محبو الحيوانات للحديث عن الحيوانات في طور الانقراض، مثل القرد البربري والسلحفاة الأفريقية واللقلاق وغيرها.
وأشار إلى أن الاختيار كان لصالح الحمار، بالنظر إلى أنه حيوان موجود وسط المغاربة، يعيش مع الناس في القرى والمدن العتيقة، وله رمزية اجتماعية وتاريخية كبيرة، كما أنه قدم ويقدم خدمات جليلة إلى الإنسان.
وزاد بن عتابو أنه “بعد تأسيس المتحف عام 2019، صار الفضاء جامعاً للكتب والمنشورات والمؤلفات التي لها علاقة بكائن الحمار، كما تم الاتصال بالفنانين والمصورين لإهداء المتحف لوحات حول هذا الحيوان”.
خادم الإنسان
من جانبه، ثمّن محمد بلمو، مدير مهرجان بني عمار زرهون (فيستي باز)، الذي يحتفي بالحمار، محاولة رد الاعتبار للحمار، لأنه كائن رافق الأنبياء وكتب عنه الفلاسفة والشعراء على مر التاريخ، وكان رفيقاً للإنسان خدوماً له لا يسرق ولا يغش ويضحي من أجل حياة أفضل للإنسان بخلاف الثقافة السائدة التي تصوره حيواناً غبياً ومجرد سبة ومدعاة للاحتقار والتبخيس.
واستطرد بلمو، في حديث إلى “اندبندنت عربية”، أن “إقامة متحف خاص بالحمار مبادرة مفرحة، لأن ذلك يعطي الانطباع أننا لسنا وحدنا في هذه البلاد من يتبنى الاهتمام بهذا الكائن وتاريخه وعمله وأرشيفه وكل ما له علاقة بالحمار الذي كتبت عنه روايات، وكان موضوع لوحات فنية لتشكيليين ومصورين فوتوغرافيين”.
ويرى مدير “مهرجان بني عمار زرهون” حول الحمار، أن تخصيص متحف للحمار يشعرنا أن نضالنا من أجل تغيير الصورة النمطية بشأن الحمار بات يؤتي ثماره، مشيراً إلى أن الحمار أسدى كثيراً من الخدمات للإنسان عبر التاريخ، كما أن عيونه من أجمل العيون”.
وسجل بلمو أنه “على الرغم من مرور عدد من الأعوام منذ تنظيم أول دورة من مهرجان بني عمار زرهون حول الحمار، ما زلنا نواجه العقلية النمطية التي تحمل عداءً مجانياً ومستغرباً للحمار، حتى إن أحد المسؤولين في إطار الإعداد للمهرجان طرح علينا أسئلة غريبة تشي بأن الاحتفاء بهذا الكائن ينطوي على خلفيات سياسية، حتى إنه سألنا هل هناك علاقة بمهرجان الحمار بثورة “بوحمارة” (الجيلالي بن إدريس الزرهوني الملقب ببوحمارة، حرض الشعب على السلطان المغربي عبد العزيز عام 1902).
وتابع بلمو أن “هناك مسؤولين اشترطوا لمواصلة الترخيص ودعم تنظيم مهرجان الحمار، أن يتم إلغاء كل الفقرات والأنشطة المتعلقة بالحمار، من قبيل مسابقة أسرع حمار، ومسابقة ملكة جمال الحمير”، مضيفاً أن “المهرجان عبارة عن أنشطة ثقافية وندوات وعدد من الفعاليات الثقافية بعيداً من أية حساسيات سياسية”.