الرباط – «القدس العربي»: ودّعت قصبة بني عمار (ضواحي مدينة زرهون الجبلية الموجودة في الوسط الشمالي للمغرب)، مهرجانها الشهير «فيستي باز» وأسدلت «جمعية إقلاع للتنمية المتكاملة» الستار على فعاليات الدورة 13 التي تميزت ببرنامج ثقافي وفني واجتماعي متنوع.
المهرجان كانت بداياته عام 2001، تعثر طويلا بسبب الظروف المالية وغياب الدعم الكافي، لكنه في هذا الموسم عاد قويا نوعا ما، وافتتح فعالياته بـ «ألوان بني عمار» وهي تظاهرة تشكيلية تحول جدران القصبة إلى جداريات فنية، كما كانت تنوب عن المهرجان في حالة غيابه الاضطراري.
صارت جدران المنازل والمقاهي البسيطة في القصبة العتيقة، لوحة مفتوحة أمام الفنانين التشكيليين المشاركين في «ألوان بني عمار»، وتحالفت ريشات مصطفى أجماع وداني زهير وعلال العاصمي وسامية الكوكي ولمياء الفلوس وحكيم غيلان وسعيد جابر والتهامي الفاضلي والحبيب الحجامي ومشروحي الذهبي وأشرف المراني، للاشتغال على جداريات شملت مختلف أحياء القصبة بني عمار كما أشرفوا على ورشات الرسم لفائدة أطفال وشباب المنطقة.
وتعتبر فقرة ألوان قصبة بني عمار من العادات الحميدة التي دأبت عليها جمعية إقلاع للتنمية المتكاملة في افتتاح كل دورات المهرجان، واستقدمت لأجل الدورة 13 نخبة من التشكيليين المغاربة، من بني عمار ومولاي إدريس زرهون ومكناس والقنيطرة وأصيلة وبني ملال وسيدي يحيى.
شهد المهرجان الاحتفاء بالبراءة الذي كان ممرا لافتتاح فعاليات الدورة، وذلك بفتح أبواب قرية الألعاب في وجه أطفال المنطقة الذين توافدوا على مختلف جنحتها.
وجاور قرية الألعاب في افتتاح المهرجان، زيارة وفد المشاركين للمعرض المقام بمناسبة هذه الدورة الجديدة، والذي كان عبارة عن صناعات تقليدية ومنتجات حرفية من الدوم لبعض المستلزمات التي تعتبر أساسية في منطقة مثل قصبة بني عمار، كما كانت تلك الشجيرات الجاهزة للغرس موضوعة بعناية في الممر المؤدي إلى دار مشيشو التي احتضنت الندوة الأولى ضمن سلسلة الندوات المبرمجة في فعاليات «فيستي باز».
الندوة الأولى تساوقت في موضوعها ومحورها مع قناعات الجمعية المنظمة، وعنوانها «الجبل بين الثقافة والتنمية، المعيقات وشروط فك العزلة»، وعرفت مداخلات كل من محمد الديش وهو رئيس «الائتلاف الوطني من أجل الجبل»، وعبد العالي المستور منسق برنامج «منتدى المواطنة» ومهتم بالديناميات الاجتماعية المجالية، ورنت الفكرة الأساس التي تقول «غنى الثقافة وغبن التنمية».
في كرسي تسيير الندوة المذكورة، جلس الشاعر والإعلامي عبد اللطيف بنيحى، الذي كان محور النشاط الثاني ضمن فعاليات المهرجان، حين قرر المنظمون تكريمه والاحتفاء به، كأحد الأصدقاء الكبار لقصبة بني عمار ولمهرجانها ومختلف أنشطتها، وحضر لأجل إلقاء شهادة في حقه، الشاعر والأكاديمي مراد القادري رئيس بيت الشعر، الذي تجول بالحضور في حياة بنيحيى المهنية كإذاعي في إذاعة طنجة، ترك بصمته قوية ولامعة في أذن المستمعين من خلال برامج انتصر فيها للبسطاء وللمواضيع القريبة من نبض الناس.
تواصل المهرجان بعرض الشريط المغربي الفرنسي «Les Hommes dans leur temps” الذي تم تقديمه بحضور مخرجه عبد الله الزروالي، واكتشف معه الجمهور الحاضر صور حية عن حياة ساكنة قصبة بني عمار في ستينيات القرن الماضي، وسلط عليه الضوء بعد العرض، محمد البوعيادي نائب رئيس الجمعية المغربية لنقاد السينما، بوريقة نقدية وافية.
وعلى إيقاعات تراثية أصيلة، أحيت فرقة السرور للموسيقى بزرهون، سهرة جل أغانيها من نبع الموروث الموسيقي المغربي الأصيل.
وتحالف الفكر والتاريخ مع الأدب والمسرح والموسيقى لصناعة لحظات تمثلت في ندوة فكرية، وتوقيع كتاب ثم عرض مسرحي وفي الختام سهرة موسيقية. الندوة الثانية ضمن البرنامج، واصلت الحفر الفكري في ثقافة الجبل بمحور «حفريات في التاريخ المحلي»، وشارك فيها الباحث في تاريخ المقاومة، عبد القادر بوراس، بعرض حول «جانب من مقاومة قبائل بني عمار للتغلغل الاستعماري ما بين 1911 و1912، فيما عالما الآثار عبد السلام الزيزوني، ومنتصر الوكيلي فقد كانا في موعد الكشف عما خلصت إليه أبحاثهم وحفرياتهم حول «موقع (دشر الحافة) ولقاه الأثرية»، بينما أسند التسيير للأديب والقاص محمد إدارغة.
الباحث الزيزوني عرض أمام الحضور في الندوة اكتشافات مذهلة توثق للإنسان العاقل في المغرب وكونه الأقدم في العالم، واستعرض جمجمة تعود إلى 315 ألف سنة، كما جال بالحضور في حفريات عثر عليها في منطقة بني عمار، حول تطور الكتابة بلوحات قربت الجميع من خصوصية تلك الاكتشافات وأهميتها.
وحضر الإبداع السير ذاتي الذي خطته أنامل الباحث والأكاديمي ابن بني عمار، ادريس لكريني، الذي فتح الباب مشرعا على ذاكرته البريئة من خلال «طفولة بلا مطر»، التي تعتبر حفرا أدبيا في تاريخ المنطقة وثقافة الجبل من شرفة بني عمار، وتم الاحتفاء بالمولود الادبي بأقلام الناقد والقاص محمد إدارغة، والشاعر عبد العاطي جميل، بينما كان تسيير اللقاء للمؤلف المسرحي والسيناريست، عبد الاله بنهدار، فيما شكل حضور الفنان محمد عاطر مفاجأة اللقاء.
وقُدّمت مسرحية «بودهوار» للفنان عبد الحق الرزوالي الذي اختار أن يشارك الخشبة مع حمار حقيقي، وليس مجرد مجسّم كما في العروض السابقة.
مباشرة بعد العرض المسرحي عرفت المنصة حضور الموسيقى من خلال فرقة كناوة المغربية «مباري مبا»، كما عرفت السهرة حضور البعد الافريقي بفرقة موسيقية من الكوت ديفوار.
اليوم الأخير من فعاليات مهرجان بني عمار، حضرت فيه أسئلة قلقة من خلال ندوة علمية، أشرف على تسييرها إدريس لكريني، بمشاركة محمد فخر الدين، الذي طرح من خلال عنوان مداخلته سؤالا قلقا حول «التراث أي أفاق لاستثماره»، كما تم تكريم إدريس الرامي أحد مؤسسي وقدماء العمل الجمعوي في المنطقة.
وقبل انطلاق سيل الأنشطة الجديدة، كعادة كل أيام المهرجان، قامت «جمعية الرفق بالحيوان والمحافظة على البيئة الطبيعية» فرع الخميسات، بمواصلة الحملة البيطرية والتوعوية التي استفادت منها دواب مزارعي المنطقة.
المهرجان الذي يضع على عاتقه الرعاية والعناية بالمنطقة، بشرا وشجرا وحجرا، وأيضا دواب، كالعادة جعل الجزء الكبير من اليوم الأخير، لكرنفال الحمير الذي تحضر فيه الفرجة والمتعة والأهم إعادة الاعتبار لحيوان خدوم وصبور جدا، فكان خير احتفاء هو إطلاق العنان بسباق السرعة، ثم مسابقة الجمال الخاصة بأجمل أثان أو حمار. وعلى أنغام موسيقية تراثية، أسدلت جمعية إقلاع للتنمية المتكاملة الستار على الدورة 13 من مهرجان بني عمار، والموعد في العام المقبل بدورة جديدة يتجدد فيها شعار هذه الدورة «الأمل.. ازدهار الجبل».
المصدر: القدس العربي